فصل: مسألة عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده:

ومن كتاب البز:
وسئل مالك: عن العبد يكون نصفه رقيقا، ونصفه حرا، كيف يعملان في خدمته؟ قال: يصطلحان على الأيام، قيل له: أفيواجره شهرا ويعمل العبد شهرا لنفسه؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: حكم العبد المعتق نصفه فيما بينه وبين سيده، حكم العبد بين الشريكين، جائز أن يختدمه هذا شهرا، وهذا شهرا- عندما لك، روى ذلك عنه ابن القاسم في المجموعة، ومثله يأتي في رسم العتق من سماع أشهب وقال ابن المواز: لا يجوز ذلك إلا في مثل الخمسة الأيام ونحوها، وبالله التوفيق.

.مسألة ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه:

وسئل مالك: عن رجل ضرب عبدا له بالسوط لأمر عتب عليه فيه، فأصاب عينه ففقأها، أترى أن يعتق عليه؟ قال: لا أرى ذلك.
قال ابن القاسم: وإنما يعتق في ذلك ما كان على وجه العمد، ولا يعتق في الخطأ.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يعتق العبد في المثلة، إلا أن تكون على وجه العمل الذي يكون فيه القصاص بين الأحرار، واختلف إن فقأ عينه، فقال السيد: أخطأت وكنت أؤدبه، وقال العبد: بل تعمد ذلك، فقيل: القول قول العبد؛ لأن العداء قد ظهر فلا يصدق السيد، وقيل: القول قول السيد؛ لأن له أن يؤدب عبده، فهو محمول على ذلك حتى يثبت القصد إلى المثلة واختلف في ذلك قول سحنون، ولو قصد إلى الضرب عمدا في غير أدب، فأصاب عينه ففقأها- ولم يرد ذلك، لجرى ذلك على الاختلاف في شبه العمد، هل فيه قصاص، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد نصفه حر ونصفه رقيق عتب عليه سيده في شيء صنعه:

وسئل: عن عبد نصفه حر، ونصفه رقيق- عتب عليه سيده في شيء صنعه، أترى أن يضربه ويؤدبه؟ قال: ليس له أن يؤدبه إلا بالسلطان.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحرية شائعة في جميعه وإن كانت الحرية تبعا للرق في جريان أحكام الرق عليه في الميراث، والشهادة، والإمامة، وسقوط الزكاة في ماله، وإن كان يملك ملكا تاما ليس لسيده انتزاعه منه، واختلف في زكاة الفطر عنه، فقيل: إنها على سيده؛ لأنه يرثه إن مات، وهو قول مالك في رواية مطرف، وابن الماجشون، وقولهما، وقول المغيرة وغيره من مشايخ المدينة، واختيار ابن حبيب، وقيل: إنها عليه وعلى سيده، وهو قول أشهب، وقيل: إن على السيد من زكاة الفطر بقدر ماله، وليس عليه هو شيء وهو قول ابن القاسم وابن وهب وروايتهما عن مالك، وقول ابن عبد الحكم وأصبغ، وبالله التوفيق.

.مسألة باع أهبا بثمن ثم انتقلها إلى منزله:

وسئل مالك: عن رجل باع أهبا بثمن، ثم انتقلها إلى منزله فأقامت عنده خمسة أيام، ثم جاءه يتقاضاه ثمنها فمطله، فقال: أتحب أن أقيلك منها؟ قال: نعم، قال: فارددها من حيث أخذتها، فردها، ثم حلف البائع أن عليه عتق رقبة إن كان لي عليك أن أحلف عند منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأستحلفنك أنك ما خلطتها بشيء، قال ذلك له إن يبعه- أن يحلفه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن له أن يحلفه إن ادعى عليه أنه خلطها، وحقق الدعوى عليه في ذلك باتفاق، وإن لم يحققها عليه فعلى اختلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه:

وسئل: عن رجل استباعه عبد له فحلف بحريته ألا يبيعه، فوهبه لبعض ذوي قرابة، أترى عليه في يمينه شيئا؟ قال: إن كان أراد ألا يفارقه فقد فارقه، فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه كان إن أراد ألا يفارقه فقد فارقه، وفي قوله فكأنه رأى إن أراد ذلك فقد حنث- نظر؛ لأنه يتهم في إبطال الهبة بما يدعي من النية، والذي يوجبه النظر أن يصدق في ذلك إن كان لم يدفع العبد إلى الموهوب له، كمن وهب عبدا ثم أعتقه قبل أن يقبضه الموهوب له وأما إن كان دفع العبد إلى الموهوب ثم ادعى بعد ذلك أنه أراد إلا يفارقه، فلا يصدق في ذلك، إلا أن يصدقه الموهوب له، فإن صدقه، أعتق، وإن لم تكن له نية، حملت يمينه على، ما لفظ به من البيع، ولم يلزمه في هبته شيء لقرابته ولا لغير قرابته، إلا أن يكون وهبه للثواب فعتق عليه، ويرد الثواب؛ لأن الهبة للثواب بيع من البيوع، وذلك على مذهب مالك فيمن قال: إن بعت عبدي فهو حر، فباعه، أنه يعتق على البائع، وأجاز في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب بعد هذا أن يهبه لمن لا يريد منه ثوابا، وكره أن يهبه لبعض أهله مخافة أن ينجر إليه منه على ذلك ثواب، وقال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر:

وسئل مالك: عن الرجل يعتق العبد، ويعتق أباه رجل أخر، فيكتب فلان بن فلان أو فلان مولى فلان، فقال: بل أرى أن يكتب فلان بن فلان ولا أرى أن يدع ذلك، فقيل له: فإن قال المولى: فإني أخاف أن يقطع ولائي، قال: فيكتب فلان بن فلان ويجعل فيه نفسه مولى فلان فيجمعهما جميعا، فقيل له: فالرجل المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب ذلك فلان بن فلان، فقال: إنهم ليفعلون ذلك، فقيل له: إن مولاه يريد ألا يدعه، وذلك إنه يقول: أني أخاف أن يقدم هذا حتى ينقطع علم أني مولاه، ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، قال: إن علم ذلك منع، وإن هذه أمور إنما تكتب حين ينزل- يريد الموت.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أن الاختيار في معتق الرجل يعتق أباه رجل أخر، أن يكتب فلان مولى فلان- يجمع النسب والولاء لكل واحد منهما، وأن المعتق الذي لا يعرف أبوه يكتب فلان مولى فلان ولا يكتب فلان بن فلان منتسبا بذلك إلى من لا يعرف أنه أبوه، لئلا ينقطع علم ولائه ويثبت له هذا النسب الذي لا يعرف، وذلك ما لا يحل له؟ وأما إن كتب فلان بن فلان ملغزا بذلك غير منتسب إلى أحد، فذلك مكروه له- حسبما يأتي في رسم نذر، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه:

ومن كتاب أوله باع غلاما بعشرين دينارا:
وسئل مالك: عن عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فلما بلغ الآخر أعتق نصيبه، قال مالك: العتق جائز والولاء بينهما، قال: ولو أنه إذ بلغ عتق صاحبه قال: لا أعتق، ولكني أطلب حقي فيه وكان صاحبه موسرا، ثم بدا له أن يعتق، لم أر ذلك له، قال مالك: إذا رد ذلك حين بلغه وقال: لا أعتق، ولكن أطلب حقي فيه، فليس له بعد ذلك أن يرجع إلى العتق، ورأى أن يعتق على الأول.
قال محمد بن رشد: تقويم العبد على الموسر المعتق لحظه منه، يجتمع فيه ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل، وحق للعبد، وحق للشريك الذي لم يعتق، فحق الله تعالى، وحق العبد في إكمال العتق له، فليس للعبد أن يرضى بترك تقويمه- يعني أن يبقى بعضه رقيقا من أجل حق الله تعالى في إكمال حريته وحق الشريك الذي لم يعتق في التقويم على المعتق من أجل أنه قد أعاب عليه حظه بعتقه لحظه؛ لأن ذلك ينقص من قيمته له إن تركه إن شاء- بشرط أن يعتق حظه منه من أجل حق الله عز وجل في إكمال حريته، فإذا رضي بترك حقه في التقويم وأعتق حظه، جاز ذلك وكان الولاء بينهما كما قال، ولا اختلاف في ذلك، والواجب أن يخير في ذلك ابتداء، وكذلك حكى ابن حبيب عن مالك أنه لا يقوم على الأول حتى يعرض على شريكه أن يعتق، فإن أعتق فذلك له وإن أبى قوم على الأول، واختلف إن أبى أن يعتق- واختار التقويم، ثم بدا له أن يرجع إلى العتق، فقال في هذه الرواية ومثله في المدونة: ليس ذلك له، والوجه في ذلك أنه لما ترك حقه في العتق وجب التقويم على الأول وصار حقا له لا يخرج عن يده إلا برضاه، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون، وعن مالك من رواية ابن وهب، وعن ابن القاسم من رواية ابن عبد الحكم وأصبغ، أن له أن يرجع إلى العتق ما لم يقوم، ووجه هذا القول إنه رأى قوله أنا أقوم، عدة منه بذلك لم يجب بعد، فله أن يرجع عنها، وكذلك لو قال: أنا أعتق حظي ولا أقوم، ثم أراد أن يرجع إلى التقويم لم يكن ذلك له على القول الأول، وكان له على القول الثاني، إذ لا فرق ويلزم الرجوع عن التقويم إلى العتق، وعن العتق إلى التقويم، وبالله التوفيق.

.مسألة كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس:

وسئل: عن رجل كانت له جارية فحلف بعتقها إن كلم رجلا من الناس، ثم إن تلك الجارية ولدت أولادا فكلمه بعدما ولدت، قال إني لأستحب لولدها أن يدخلوا معها في العتق- وما هو بالبين؟ وأما الذي يحضرني الآن في رأيي فإني أرى أن يدخل ولدها معها في عتقها.
قال محمد بن رشد: القياس ألا يدخل معها ولدها في العتق؛ لأنه فيها على بر، وله أن يطأ ويبيع، إلا أن قول مالك قد اختلف في ذلك، مرة كان يقول يعتق ولدها، ومرة كان يقول تعتق بغير ولدها، ولكن الذي ثبت عليه من ذلك واستحسنه على كره- أن تعتق هي وولدها على ما قاله في هذه الرواية، وفي رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ، ورسم العرية من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وأما اليمين التي تكون فيها على حنث، مثل أن يحلف بعتقها ليفعلن فعلا- ولا يضرب لذلك أجلا، فالقياس أن يعتق ولدها بعتقها وهو المشهور من قول مالك، وقد روي عن مالك أن ولدها لا يدخل في اليمين- وهو قول المغيرة المخزومي، وإن ضرب أجلا ليمينه بعتقها ليفعلن فعلا فهو أخف، وفي دخول ولدها في اليمين اختلاف؛ لأن مالكا إذا رأى في أحد قوليه أن الولد يدخل في اليمين التي يكون فيه على بر، وله أن يطأ ويبيع، فأحرى أن يرى ذلك في هذه اليمين التي يمنع فيها من البيع، ويختلف في جواز الوطء له، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته:

ومن كتاب صلى نهارا:
وسئل: عن رجل حلف إلا يقاطع مكاتبه على مائة دينار فحلف بحريته، فإن فعل فهو حر، فقاطعه بأكثر من مائة، ثم أراد أن يقطع عنه، قال مالك: ما أحب ذلك له بحدثان ذلك ولكن لو أقام أياما، لم أر بذلك بأسا، وأكره ذلك بحدثانه.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم طلق بن حبيب القول في بيان معنى هذه المسألة، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة فقال له لم ترض امرأتي:

وسئل: عن رجل قاطع مكاتبا بينه وبين امرأته ثم إنه دعاه بعد القطاعة، فقال له: لم ترض امرأتي، فقال رجل: كان معهما جالسا- وهو يلعب- أنا أشهد أن امرأته قد أجازت، فقال: كل مملوك لي حر لوجه الله، لئن شهدت على ذلك إن لم أكسه ثوبين يعني مكاتبه، فقال: ما كنت إلا ألعب ما أشهد، قال مالك: ما أرى عليه شيئا من الثوبين ولكن يتورع ويدفعهما إن كان أمرهما يسيرا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله من أنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يشهد بما قاله ولا حققه، بل أقر على نفسه أنه ما اعتقده، وإنما قاله هازلا، فلم يلزمه حنث.

.مسألة عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه:

ومن كتاب نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عن عبد نصفه حر ونصفه مملوكا أيعتق الذي له فيه الرق نصفه، ويشترط نصف ماله،، قال: ليس ذلك له، وأرى أن يعتق ويقر المال بيد العبد البائع، قال ابن القاسم: وذلك أن المال للعبد المعتق كله.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه ملك ماله، ولم يكن للذي بقي له فيه الرق انتزاعه ولا أخذ شيء منه، فإذا لم يكن له انتزاعه لم يجز له في المعتق استثناؤه؛ لأنه إنما له أن يستثني في العتق ما له أن ينتزع قبل العتق، وما يكون أحق به في البيع، وإن لم يستثنه، قال ابن المواز: قال: فلو كان بمعنى الكتابة جاز ذلك له، وقوله صحيح، وذلك مثل أن يقول له: أعتقك على أن يكون لي نصف مالك فيرضى بذلك، وأما إذا أعتقه واستثنى ماله دون رضاه، فلا يجوز ذلك له، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله:

وسئل مالك: عن رجل حلف بعتق غلام له إن لم يقض رجلا ماله، أفله أن يبيعه إذا لم يكن عنده شيء يقضيه؛ لأنه يقول: أبيع وأقضي، قال: لا أرى أن يبيعه حتى يقضيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنها يمين هو فيها على حنث، فليس له أن يبيعه على ما في المدونة وغيرها، فإن باعه رد البيع ووقف، فإن بر بالقضاء فلا شيء عليه، وإن لم يقضه حتى مات، عتق في ثلثه على معنى ما في المدونة وغيرها، وهو نص ما في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا، ومثله حكى ابن المواز عن مالك، وزاد أنه إن قضاه قبل أن يرد البيع فلا يرد، ومثل هذا في رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ بعد هذا، أنه لا حنث عليه إن أوفاه حقه ويجوز البيع، وبالله التوفيق.

.مسألة حلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم:

وسئل مالك: عن امرأة لها شرك في عشرة رؤوس، وحلفت في أمر لتفعلنه ودعت شركاءها إلى أن تقاسمهم حتى تأخذ من ذلك حصتها، فقاسمتهم فصار لها رأس، أترى اليمين ترجع عليها في ذلك الرأس الذي صار لها منهم، قال: نعم أرى أن ترجع عليها اليمين فيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حقها من العبيد الذين حلفت بحريتهم قد تميز بالقسمة فيما صار لها منهم، فوجب أن ترجع اليمين عليها فيهم، ولا تجوز لها القسمة فيهم إلا بالقرعة؛ لأنها هي التي قيل فيها: إنها تمييز حق، وأما القسمة على التراضي فلا تجوز فيهم؛ لأنها بيع من البيوع باتفاق، والبيع فيهم لا يجوز باتفاق؛ لأنها يمين هي فيها على حنث لو لم تبر حتى ماتت، لعتق حظها منهم في ثلثها، ولو كانت يمينها إلى أجل فحنثت بمضي الأجل في حياتها وصحتها قبل القسمة، لعتق عليها حظها منهم وحظ شركائها بالقسمة على الحكم فيمن أعتق شركا له في عبد، إذ لا فرق بين أن يبتدئ عتقهم، أو يحنث بالعتق فيهم، وقد قيل: إنها تقاسم أشراكها فيهم بعد الحنث، ولا يعتق عليها منهم، إلا ما صار لها نصيبها- قاله محمد بن المواز، فقيل: إنه خلاف لما في المدونة من أنه من حنث بعتق رقيقه وله أشقاص من عبيد، أنهم يعتقون عليه، ويقوم عليه بقية العبيد الذين لهم فيهم الشقوص، وقيل: إنه فرق بين أن يكون له شريك واحد في جميعهم، أو شريك في كل رأس، وبالله التوفيق.

.مسألة النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان:

وسئل مالك: عن النصراني يسلم على يدي رجل فيريد أن يكتب فلان بن فلان، فقال: إني لأكره ذلك، وقوم يعتقون عبيدا لهم فيكتبون كذلك فيكذبون في قولهم، قال: وما يعجبني أن يفعل ذلك، قيل له: فإن النصراني يكون اسمه جريجا أو يحيى فيسمى باسم أهل الإسلام، قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: الذي كره مالك للذي يسلم على يدي الرجل فيكون ولاؤه لجميع المسلمين، أو للذي يعتقه الرجل فيكون ولاؤه له، أن يكتب فلان بن فلان، هو أن يلغز بذلك فيكتب فلان بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن، فيظن من سمعه أن أباه رجل من المسلمين، فكره ذلك من أجل أنه ينحو إلى الكذب فيما يظنه السامعون- وإن كان لم يكذب هو فيما قاله: من أن أباه هو عبد الله أو عبد الرحمن، وأما أن ينتسب إلى غير أبيه من أهل الكفر، أو أهل الإسلام، فهذا ما لا يحل ولا يجوز، فقد جاء الحديث بالنهي عن ذلك، وإن فاعله ملعون، وأما أن يبدل الرجل اسمه باسم يختاره إذا أسلم من أسماء الإصلاح، فهذا جائز؛ لأنه لا بأس به كما قال في الرواية، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة ثم هن أحرار:

ومن كتاب أوله المحرم يتخذ خرقة لفرجه:
وسئل مالك: عن محمد بن سليمان، وكان أوصى في جوار له أن يحبسن سبعين سنة، ثم هن أحرار، قال مالك: هو غير جائز، وأرى أن ينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يبعن بعن، وإن رأى أن يعتقن أعتقن وعجل عتقهن ولا يتركن هكذا، قال ابن القاسم وهو رأيي، وسئل عنها ابن الماجشون فقال: ينظر إلى ما سمي من الأجل، فإن كان أجلا لا يبلغه أعمارهن بعد، وكان ذلك بمنزلة من أعتق عبدا بعد موته، وإن كان أجلا يبلغه أعمارهن وقفن إلى الأجل، وخرجن أحرارا إن حملهن الثلث- ثلث الميت.
قال محمد بن رشد: وجه النظر الذي صرفه مالك إلى الإمام في هؤلاء الجواري اللائي أوصى سيدهن أن يعتقن بعد سبعين سنة، هو أن ينظر فمن كان لها من السن ما يعلم حقيقة أنها لا تعيش سبعين سنة، مثل أن تكون بنت أربعين أو خمسين أو ستين، فإنها تباع؛ لأنها تعلم أن العتق لا يدركها، فهي كمن أوصى لها بالعتق بعد موتها، ومن كان لها منهن من السنين ما يمكن أن تعيش سبعين سنة مثل أن تكون بنت عشر سنين، أو بنت عشرين، فإنه يعجل عتقها، إذ لا يجوز أن تباع- ولعل العتق سيدركها، ولا أن تحبس سبعين سنة، لما في ذلك من الضرر عليها بقصد السيد إلى ذلك في ظاهر أمره، فهذا معنى ما ذهب إليه مالك- والله أعلم؛ لأنه صرف الأمر في ذلك إلى السلطان ليعمل فيه بهواه من غير نظر، وأما ابن الماجشون فرأى الحد في ذلك ما يعمر إليه المفقود على الاختلاف في ذلك من ثمانين إلى مائة في المشهور في المذهب، فمن كان سنها منهن ينتهي إلى حد التعمير وقفت، ومن كان سنها منهن لا ينتهي إلى حد التعمير ويقصر عنه بيعت، وهو القياس، إلا أنه إغراق، فالعدول عنه إلى ما قاله مالك على سبيل الاستحسان أحسن، وقد بينا وجهه، وبالله التوفيق.

.مسألة المملوك إذا عمي:

وسئل مالك: عن المملوك إذا عمي أترى أن يعتق؟ قال: وكان الذي سأله سمع في ذلك شيئا، فأنكر ذلك وقال: ما علمت أنه يعتق.
قال محمد بن رشد: السؤال عن هذا مثل ما في كتاب الزكاة الثاني من المدونة من السؤال على أهل البلاء من العبيد، هل يعتقون على ساداتهم لما أصابهم من البلاء نحو الجذام والعمى؟ فقال: إنهم لا يعتقون، والذي ذهب إليه من رأى أنهم يعتقون على ساداتهم، هو ذهاب الانتفاع بهم لما حل بهم من هذه البلايا شبيها بما قيل فيمن وطئ أمة له من ذوات محارمه اللائي لا يعتقن عليه فحملت منه، أنها تعتق عليه من أجل أنه لا منفعة فيها، إذ ليس له أن يستخدمها ولا يطأها- وهي لا تشبهها، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عمن حلف لرجل له عليه حق بالعتق والطلاق ليقضينه حقه أو ليرضينه منه لأجل كذا وكذا، فأرضاه ببعض حقه لذلك الأجل، وأخره بما بقي منه إلى أجل أخر ولم يشترط عليه حين أكلأه إلى الأجل الآخر شيئا- طلاقا ولا غيره، أفترى عليه اليمين كما هي؟ فقال: إني أخاف ذلك وما هو بالبين، فقيل له: فإن الأجل لم يأت، أفترى أن يكلىء صاحبه؟ قال: نعم، قيل له: أترجو أن يكون ذلك مخرجا؟ قال: نعم، إني لأرجو ذلك وما هو بالبين، قال ابن نافع: لا يلزمه اليمين في التأخير الثاني إلا أن يشترط ذلك المحلوف إليه.
قال محمد بن رشد: الخوف على الحالف في بقاء اليمين عليه في الأجل الثاني في هذه المسألة ضعيف؛ لأنه قد بر بإرضائه إياه قبل الأجل، فلا تبقى عليه اليمين في الأجل الثاني إلا بشرط- كما قال ابن نافع، وقد قال ابن دحون: إن قول مالك أبين من قول ابن نافع؛ لأن الحالف حلف أن يرضي غريمه وقد أرضاه بما دفع إليه عند الأجل، وبالوقت الذي جعلاه للباقي، فالرضي متعلق بسببين: بأجل الباقي، وبما دفع، فاليمين باقية عليه حتى يفي له بالباقي إلى الأجل الذي اتفقا عليه، هذا نصر قول ابن دحون- وليس ببين لما ذكرناه من أن الحالف قد بر في الأجل الأول، فلا تبقى اليمين عليه في الأجل الآخر إلا بشرط، وقد قيل في الذي يحلف لأقضين فلانا حقه إلى أجل- إلا أن يشاء أن يؤخره فأخره، أن اليمين لا تبقى عليه في الأجل الثاني- حسبما ذكرناه في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، فكيف بهذه المسألة التي قد بر فيها قبل، الأجل، وقد مضى في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، القول فيما يبر به من حلف ليرضين فلانا من حقه- مستوفى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
وسئل: عن الموسر يكون له أب مملوك أيشتري عليه فيعتق؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا يحكم عليه بذلك، إذ ليس هو واجب عليه وجوب الفرائض التي تتعين في المال كالزكاة، ولكنه من الحقوق الواجبة له عليه بحق إحسانه إليه، روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» أي فيعتقه بشرائه إياه، لا أنه يكون مملوكا له حتى يستأنف له العتق، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه:

وسئل: عمن حلف لغريم بعتق جاريته إن لم يقضه لأجل سماه فلما كان اليوم الذي ينقضي فيه الأجل باعه بتلك الدنانير جاريته، قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه؛ لأن عليه العهدة حتى تحيض، قيل له: أرأيت إن أحاله على رجل؟ أيجزئه ذلك من يمينه؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قوله: لأن عليه العهدة حتى تحيض، معناه: لأن الضمان منه حتى تحيض، وهذا إذا كانت رقيقة يواضع مثلها، أو كانت قد وطئها سيدها؟ وأما إن كانت من الوخش لم يطأها سيدها، فيبر بدفعها إليه في الدين قبل حلول الأجل ولو لم يبر، إذ لا عهدة فيها على ما مضى في نوازل سحنون من كتاب العيوب؛ لأنه بيع يقتضي المناجزة خوف الدين بالدين، ولا اختلاف فيمن حلف على القضاء أن لا يبر بالإحالة، وإنما يبر بالإحالة من حلف ليرضين رجلا من حقه على الشرطين اللذين ذكرناهما في رسم سلف دينارا من سماع عيسى من كتاب النذور، وبالله التوفيق.

.مسألة حلفت بحرية جارية لها إن باعتها:

وسئل: عن امرأة حلفت بحرية جارية لها إن باعتها، قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، ثم ندمت فأرادت بيعها، فهل لها في ذلك مخرج؟ فقال: لا، إلا أن تعتقها، أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، وأما أن تهبها لبعض أهلها، فإني أكره ذلك، قال ابن نافع: أكره الهبة؛ لأني أخاف الدلسة في ذلك.
قال محمد بن رشد: كره مالك أن تهبها لبعض أهلها مخافة أن ينجز إليها من قبله على ذلك ثوابا، والهبة للثواب بيع من البيوع، وأبقى ذلك ابن نافع في الهبة لأجنبي، فكرهها بكل حال، ولو تصدقت بها لم يكن للكراهية في ذلك وجه، وهذا إذا لم تكن أرادت بيمينها ألا تفارقها، ولا كان ثم بساط يدل على ذلك، ولو حلفت بحريتها إن لم تبعها إلى عشر سنين، لم يكن لها أن تهبها على حال، ولا أن تتصدق بها؛ لأن الحالف بعتق عبيده أن يفعل كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا، ليس له أن يبيعهم؛ لأنهم مرتهنون باليمين- قاله في المدونة وغيرها، وقد رأيت لابن دحون على هذه المسألة كلاما مختلا غير صحيح، فلم أر لذكره وجها، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه:

وسئل مالك عمن حلف لرجل في ذكر حق له عليه بحرية جارية له إن لم يقضه إلى أجل سماه، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيع جاريته التي حلف بها، فيؤخر سبعة أيام، فباعها عند الأجل فطلب منه الاستبراء، فقال له مالك: أهذه العرجة التي أردت؟ قال: نعم هذه هي التي أردت إلا أن يدخل علي في بيعها دخل، قال مالك: يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، ولا أرى عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما حلف بحرية جاريته أن يقضيه حقه إلى الأجل، إلا أن تدخل عليه عرجة في بيعها، دل ذلك على أنه إنما أراد أن يقضيه حقه من ثمنها، فلما باعها وطلب منه المشتري الاستبراء، أي المواضعة، كان المعنى في ذلك، أنه أبى أن يدفع إليه الثمن حتى تخرج من المواضعة على ما يوجبه الحكم، فأشبه أن يكون هذا هو الذي خشي الحالف، ولذلك استثنى في يمينه بما استثنى، فلذلك رأى مالك أن يصدق في ذلك مع يمينه، وقد قال غيره: إنما أجيز له هذا إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها قبل أن ينقضي الأجل فيطول ذلك بها، فهذا الذي تقبل منه نيته، فأما إن تركها إلى أخر الوقت فلم يدخل عليه دخل هو أدخله على نفسه، ولم يتكلم مالك في الرواية على هذين الوجهين، وإنما تكلم على أنه باعها عند الأجل، ولم يكن بين يمينه وبين بيعه إلا أيام يسيرة لا يستبرأ في مثلها السبعة الأيام ونحوها- على ما ذكره، وقد مضى توجيه قوله في إيجاب اليمين عليه فيما ادعاه من نيته، وأما إذا باعها لوقت يمكن فيه استبراؤها فيطول ذلك بها، فتقبل منه نيته دون يمين، وإذا حلف وبينه وبين الأجل من المدة ما يستبرأ فيه فترك بيعها- إلى أخر الوقت فطلب منه الاستبراء، فلا يصدق أنه أراد ذلك؛ لأنه أمر أدخله على نفسه، فوجه يصدق فيه مع يمينه، ووجه يصدق فيه دون يمين، ووجه لا يصدق فيه، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.